الرئيسية | RSS

الخميس، 22 أبريل 2010

الإسراف في النقد يعكر مزاج صاحبه :

من كتاب هي هكذا
كيف نفهم الأشياء من حولنا
(30 سة إلهية في الأنفس والمجتمعات )
للاستاذ الدكتور/ عبدالكريم بكار

إن المكمن الحقيقي لذات الإنسان هو مشاعره وأحاسيسه وليس عقله
ومن الواضح أن البنية النفسية للإنسان هشة للغاية حيث تستخفه كلمة الثناء وتفتنه النظره..
كما أن كلمة واحدة قد تقضُّ مضجعه وتزعجه شهراً أو شهرين ويمكن لذبابة أوبعوضة أن تحرمه من النوم وتثير أعصابه كما قال ــ سبحانه وتعالى ــ في الذباب :




( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) الحج .
ومن صور عدل الله تعالى المطلق في هذا الكون أن الأنسان
يصعب عليه أن يُدخل السرور على غيره من دون أن يجد شيئاً منه في نفسه ، كما أن من الصعب عليه أيضاً أن يؤذي مشاعر الآخرين دون أن يؤذي نفسه .
إن الكلمات الجميلة التي نوجهها لبعضنا أشبه بالطيب



حيث إنك لاتستطيع أن ترشه على من حولك دون أن يصيبك منه شيء ، والكلمات الجارحة والقاسية أشبه بالريح المنتنة ، يستنشقها كل من في المكان إن النظرات والكلمات المحملة بالعتاب والنقد واللوم تكتسب في الأساس مشروعيتها من تلك المفارقة الأبدية بين النظرية والتطبيق أو بين مانقوله وبين مانفعله أو بين مايمكن أو يجب أن نقوم به ومانقوم به في واقع الامر .



وللنقد وظيفة مهمة في الحياة حيث إنه يوقظ الوعي من سباته ويساعد الناس على معرفة عيوبهم وعثراتهم ، ولذلك فوجود النقَّاد أمر حيوي لأستقامة الحياة لكن مع هذا فإن علينا أن نفرق بين ممارسة النقد بطريقة جيدة وفي إطار أخلاقي وبين ممارسته على نحو عشوائي أو بطريقة كيدية أو لأهداف دنيئة !





هناك شعوب وقبائل وأهالي مدن وأتباع أحزاب ... لديهم ملكات نقدية نامية أكثر مما هو مطلوب أو مقبول إنهم يرون الأشياء بمنظار أسود ولاتقع أعينهم إلا على النقائص وهم يعانون من شيء من المزاجية ، أو لديهم قلق غامض ورفض للحياة إنها السلبية التي تجعل الرفض أقرب متناولاً من أي شيء آخر . هؤلاء المسرفون في النقد يشبهون شرطياً يتلقى شكاوى المواطنين بشكل يومي ، أو يشبهون قاضياً جنائياً تُعرض عليه القضايا الشنيعة التي تحدث في البلد ، لكن القاضي يعرف من خلال ثقافته ووعية أن نسبة صغيرة من المجتمع هي التي ترتكب الجرائم المثيرة والمقززة ، أما المسرفون في النقد ، فإنهم يلقون في روع من يسمعهم أن البلد خلا من الأخيار وأن الأوضاع سائرة في طريق البوار والأنهيار ، وأنا أعرف أشخاصاً كثيرين من هذا الصنف ، وأشعر حين أقابل واحداً منهم بالإشفاق عليه ، لأنه يصنع أحزان نفسه بنفسه ، ويجلب الهموم لقلبه دون مسوغ مقبول ،و دون أن يشعر ؛ إنهم بارعون في الاستدراك على كل ماهو جميل ومريح :
تذكر أمام أحدهم أن فلاناً بنى مسجداً رائعاً ، فيقول لك ، ولكن ثروته مشبوهه ، أو إنه مراءٍ في عمله !
وتذكر أمام آخر بأن فلاناً من الناس ذكي وألمعي ، ومتفوق في عمله فيقول لك : لافضل له في ذلك ، فقد ترك والده ثروة كبيرة مكّنته من الدراسة في أفضل الجامعات ، وأي واحد يدرس في جامعة هارفارد لابد من أن ينجح ...



وتذكر في مجلس أنك معجب بالطريقة التي أدار بها فلان الأزمة الكبرى التي حلّت بالبلد ، فينبري أحد الحضور ليقول لك : هذا ليس بسبب كفاءته وذكائه ، وإنما الفضل للمستشارين الأجانب الذين يقدمون له الدراسات والمقترحات... وهكذا فهناك نوع من التشويه لكل الأشياء الجميلة ! .



تساؤل



مالذي يغري الانسان بالنقد ويدفعه للبحث في قمامة الواقع للعثور على ماهو منفر ومقزز ؟



أهو المثالية الزائدة وتجاهل الظروف الصعبة التي يمر بها كثير من الناس ؟
أو هو تزكية النفس والأستخفاف بالتالي بالآخرين ؟
أو هو حب الظهور لأن النقد يمنح صاحبه تفوقاً فورياً على النظراء والجلساء على حين أن التفكير البنائي الإجابي لا يستطيع تأمين ذلك ؟
لا اعرف لكن قد يكون الدافع عبارة عن مزيج من كلّ ذلك وقد يكون لأسباب مجهولة .



● هل يعني هذا أي شيء ؟



إنه يعني الآتي :



على المرء أن يتقي الله تعالى فيما يقول فنحن محاسبون على كل كلمة نتلفظ بها كما قال ــ عز وجل ــ
( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)  ق
وعلينا أن نكون مستعدين لأثبات صحة نقدنا وبراءته من الأغراض والغايات الرخيصة .
علينا أن نقدر ونحترم الفروق الفردية بين الناس حيث لايشترط لأستقامة الناس وفضلهم وصوابهم أن يوافقونا في كل مانراه إذ ليس هناك من هو مركز الدائرة في كل شيء ومن هو محيطها . بعض النقد هو عبارة عن غيبة خالصة يهدف إلى التشهير وليس إلى النصح أو الإصلاح لأن الذين يقومون بتوجيهه لغيرهم لايفعلون ذلك إلا في حال غيابه ولا يملكون الشجاعة لمواجهة من ينتقدونهم لأنهم ليسوا من أهل انصح ولا التثبت أخيراً قد يكون من المفيد أن يفهم هؤلاء الذين لايعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ــ كما يقولون ــ أنهم هم المتضرر الأكبر من مبالغتهم في ملاحقة عيوب الناس حيث إن ماينجزونه فعلاً هو إزعاج أنفسهم وتكدير قلوبهم وقد لايكون لهم أي شيء بعد ذلك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كوكتيل سلمان © 2009 | تصميم وتطوير أبو هيثم